علي مقعد خشبي، يعلو قليلاً عن سطح الأرض، جلس محمد إبن السادسة من عمره، تلمع في عينيه إبتسامة إنتصار، كلما تمكن من وضع قطع المكعبات الملونة فوق بعضها. محمد هو واحداً من أبناء جمعية كيان لرعاية الأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة. جاءت به أسرته إلي الجمعية، منذ عامين تقريبا، بعد تأكدهم من إحتياجه إلي رعاية تتناسب مع تأخره العقلى واللغوى، فهو واحد من بين نسبة 6 إلي 10% من ذوي الإحتياجات الخاصة في مصر.
كيان هو الإسم الذي إختاره مجموعة من الأخصائيين في التأهيل النفسي والتخاطب والعلاج الطبيعي، عام 2004 ليكون إسم لإشهار جميعتهم لرعاية ذوي الإحتياجات الخاصة، بعد إستمرار العمل لسنوات طويلة و بشكل تطوعي من خلال جمعيات أخري، كانت قد إنشئت علي يد أولياء أمور لأطفال معاقين.
الدكتور أيمن طنطاوي ـ رئيس مجلس إدارة جمعية كيان ـ يرجع سبب إختيار الإسم إلي إعتراف مجموعة العمل بكينونة ذوي الإحتياجات الخاصة، والتعامل معهم كأفراد طبيعيين.. يحتاجون فقط إلي قدر من الإهتمام والحساسية في التعامل.
يقول د. أيمن طنطاوي" بدأت علاقتي بذوي الإحتياجات الخاصة أثناء دراستي الجامعية، وقتها أتاحت لي دراستي لطب العلاج الطبيعي التعرف عن قرب علي ذوي الإحتياجات الخاصة، وبدأت في التطوع للعمل معهم من خلال بعض الجمعيات الأهلية. لكن، المشكلة التي واجهتها أن تلك أغلب الجمعيات التي تعمل في ذلك المجال تتعامل مع ذوي الإحتياجات الخاصة بنوع من البيزنس أو بأساليب خاطئة وترفض النقد..".
يتابع" من هنا كانت بداية تفكيري وعدد من الأخصائيين في مجال التخاطب والعلاج الطبيعي وغيره، عام 2001؛ لعمل جميعة تعمل علي تحسين نوعية الحياة للأطفال ذوي الإعاقات وأسرهم من خلال تقديم نموذج رائد للتأهيل في مصر والوطن العربي، وتنمية وتأهيل الكوادر المتخصصة بما يسمح بنقل الخبرات إلي الآخرين سواء كانوا جمعيات أو أهالي لهؤلاء الأطفال".
تعمل جمعية كيان
http://www.kayanegypt.com علي رعاية وتنمية مهارات مايقرب من 100 طفل من ذوي الإحتياجات الخاصة، تتراوح أعمارهم بين ثلاثة وعشرة أعوام، فتفتح أبواب فصولها الأربعة في الصباح لتستقبل 25 طفلاً، وفي الفترة المسائية تستقبل حوالي 45 طفلاً يتلقوا جلسات في التخصصات التي تتيحها الجمعية. تكون فريق العمل من 40 فردً ـ عاملين بالجمعية بمكافأت مادية ـ وحوالي 60 فردً متطوعين للعمل، ويعملوا جمعياً علي تبادل الخبرات وتقديم خدمات لحوالي 30 طفلاً في دور أخري لرعاية الأيتام مثل الأورمان والفرقان وغيرها.
داخل احد فصول كيان، يجلس" مجدي محمد داود – مشرف قسم التربية الخاصة بكيان ـ بين خمسة أطفال من ذوي الإحتياجات الخاصة، يلتفون جميعاً حول منضدة خشبية صغيرة، مرصوص فوقها عدد من المكعبات الملونة وكراسات الرسم.
بدأ" مجدي" الإهتمام بذوي الإحتياجات الخاصة إستجابة لنصيحة أحد أصدقائه، بالبحث عن مجال مختلف للعمل بعد تخرجه من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، وهي النصيحة التي عادت لتظهر أمام عينه بعد حضوره لمهرجان أطفال أبطال الذي نظمته جمعية كيان في أواخر عام 1996؛ وكانت وقتها لا تزال تحت التأسيس. ويقول" العمل مع ذوي الإحتياجات الخاصة يحتاج قدراً كبير من الصعب والتحكم في الأنفعالات وتدعيم ذلك بالدراسة، وهو ما حدث بالنسبة لي فبعد تخرجي من الجامعة حصلت علي 25 دورة تدريبية . و يبتسم برضا وهو يتذكر" ندي" تلك الطفلة التي مثلت تحدياً خاصاً بالنسبة له، إذ قبل التعامل معها بعد تردد الكثير من زملائه قبولها بسبب صراخها المتواصل لمدة قد تصل إلي 3 ساعات بشكل متواصل. فحين إلتحقت بجمعية كيان منذ 4 سنوات، كانت تعاني من إعاقة عقلية بسيطة ومشاكل سلوكية متعددة مثل النشاط الزائد ووضع يدها في فمها والتبول اللإرادي، وكانت أقصي مدة يمكن أن تجلس فيها علي الكرسي دون حركة هي 5 دقائق فقط.
وبعد وضع" ندي" تحت الملاحظة لمدة شهر كامل تم خلاله تقييم جوانبها المعرفية والإدراكية واللغوية والإجتماعية وغيرها، بعدها وضع" مجدي" لها برنامج لتعديل السلوك وتنمية المهارات مع حرصه علي التواصل بشكل دوري مع أسرتها.. حتي تمكنت" ندي"، وبعد 4 سنوات من العمل المتواصل، من الجلوس علي الكرسي لمدة قد تصل إلي 5 ساعات بالإضافة إلي تمكنها من عملية التبول وتوقفها عن الصراخ. تلمع عين مجدي وهو يتابع قائلاً: كنت في أجازة إستمرت إسبوعين متواصلين وعند عودتي إلي الجمعية فوجئت بندي تجري بإتجاهي وترتمي بين ذراعي وهي تردد بفرح.. بابا جه.
منذ أيام قليلة إحتفلت هبة إبراهيم ـ أخصائية التربية الخاصة والمنسق الفني لجمعية كيان ـ بمرور 6 سنوات علي عملها مع جمعية كيان. تتذكر" هبة" كيف بدأت كيان كفصل واحد وبإمكانيات بسيطة وفرها مجموعة من الشباب المتطوعين للعمل في مجال الرعاية الخاصة، بعد تجارب سيئة مع إدارات جمعيات أخري، وكيف تحولت الآن إلي مبني متكامل يطمح العاملين به إلي أن يكون له فروع خلال وقت قريب في كل محافظات مصر.
تؤكد هبة من واقع خبرتها العملية علي أهمية الإكتشاف المبكر لعلامات الإعاقة كخطوة هامة في طريق التأهيل، وتتابع وهي تشير إلي طفلاً يجلس في صمت أمام شاشة كمبيوتر، مركزاً في إنهاء لعبة كان قد بدأها قبل قليل من دخولنا عليه، " إسمه صالح وعمره 8 سنوات؛ إنضم إلي أسرة كيان منذ سنيتن وكان يعاني من إنعزالية شديدة عن المجتمع وتجاهل لكل من حوله". تصمت قليلاً ثم تتابع " ذوي الإحتياجات عادة ما ينسجون لأنفسهم عالماً خاصاً ينعزلون فيه عن العالم ولا يسمحون لأحداً بدخوله إلا إذا وثقوا فيه بشدة. وهو ما حدث ما صالح، فبعد فترة المتابعة وجدنا لديه ذاكرة بصرية كبيرة وتعلق بالمكعبات الملونة، حتي أنه كان يستمر في اللعب بها لساعات طويلة. وبرغم إستجابته الضعيفة لجسات التخاطب وعدم قدرته علي النطق بكلمة واحدة حتي الآن، إلا أنه أظهر قدرة فائقة في التعامل مع الكمبيوتر والالعاب الإليكترونية الهادفة والتي تساعد علي تنمية مهاراته العقلية".
الصبر وطولة البال والإحساس العالي في التعامل مع الأطفال هي أهم النصائح التي يوجهها عمرو محمد عيسي ـ أخصائي التربية الخاصة والتأهيل بكيان ـ إلي أولياء أمور ذوي الإحتياجات الخاصة ومن يريدون العمل معهم. ويقول: كان إبن خالي المعاق ذهنياً سبباً في إهتمامي بذوي الإحتياجات الخاصة، فمثله يكون عبئاً علي أسرته. ويتابع: التدريب الجيد والتعلم والصبر هما أساس النجاح، لذا فبعد حصولي علي بكالوريوس الخدمة الإجتماعية حصلت علي دبلومتين في التربية الخاصة و بدأت في عمل دراسات عليا في التربية الخاصة.
محمد 12 عاماً الآن؛ وهو الحالة الإستثنائية بالنسبة للعمر في جمعية كيان، فقد دخل كيان منذ بداية نشأتها لذا فمن الصعب علي إدارة الجمعية التخلي عنه حتي تجد له أسرته جمعية بديلة لرعايته. وهو من اصعب الحالات التي تعامل معها عمرومحمد عيسي. يصفه قائلاً" محمد حالة صعبة وممكن تكون نادرة أيضاً، يسمع ويري بشكل جيد وقدرته العقلية تماثل قدرات الأسوياء لكنه، يعاني من شلل دماغي في أطرافه الأربعة ولا يمكنه الكلام وكل التعامل معه يكون بإشارات العين. الأمر الذي أحتاج مني شهرين كاملين للتمكن من التواصل معه بشكل جيد".
من جانبها، ريم رجب ـ المدير الفني لكيان وحاصلة علي دبلوم إعداد العاملين في مجال الإعاقة الذهنية ـ ترجع النجاح الذي حققته كيان إلي تمتعها بوجود فريق متكامل للعمل، يتابع وينفذ كل ما هو جديد في مجال الإحتياجات الخاصة لنجاح ضمان عملية التأهيل. وتلفت ريم رجب إلي المشروعات التي تقوم جميعة كيان بتنفيذها قائلة" تضم كيان مركز للإستضافة النهارية ويخدم مناطق عين شمس وجسر السويس والمطرية والعباسية والمناطق المحيطة والقريبة منهم، ومن خلاله يقدم تأهيل للأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة تحت إشراف فني. ويحرص المركز علي تقديم الإرشاد الأسري لأولياء الأمور. أما مركز التأهيل للفترة المسائية فيخدم أكثر من 200 طفل معاق ويتيم، كما يقدم الخدمات الإستشارية للمدراس الحكومية ودور الأيتام".